لا تزال بيانات اقتصاد الولايات المتحدة تتسم بالوردية، إذ زادت أعداد الوظائف خلال أيار (مايو) نحو 138,000 وظيفة، وتدنت نسبة البطالة إلى 4.2 في المئة. وعلى رغم مخاوف الكثير من الاقتصاديين ورجال الأعمال من الانعكاسات السلبية لسياسات الرئيس دونالد ترامب، خصوصاً ما يتعلق بالعلاقات مع الكتل الاقتصادية العالمية مثل الاتحاد الأوروبي، فإن مسار الاقتصاد الأميركي يبدو واعداً.
فمنذ تسلمه الرئاسة بدأ ترامب نزعة نحو الاستفزاز مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، سواء في حلف شمال الأطلسي أو في منظومة الاتحاد الأوروبي أو مع الشركاء التجاريين مثل الصين أو ألمانيا. وقد لا يكون لمواقف ترامب أثر مهم على العلاقات التجارية أو الاقتصادية في شكل عام، ولكنها لا بد أن تولد أوضاعاً نفسية غير مواتية للكثير من المتعاملين في مجال التجارة أو الاستثمار أو الأسواق المالية أو النقدية.
ويظل الاقتصاد الأميركي أهم قاطرة للاقتصاد العالمي وتعتمد اقتصادات أساسية أخرى على عافية هذا الاقتصاد كي تتمكن من تحسين أوضاعها. ومعلوم أن الولايات المتحدة هي أكبر سوق استهلاكي في العالم إذ تعتبر معدلات الاستهلاك للسلع والخدمات الأعلى على المستوى العالمي.
ويزيد الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة على 18 تريليون دولار، ويقدر متوسط دخل الفرد السنوي بما يقارب 56 ألف دولار. ولا بد أيضاً من الإشارة إلى أن معدلات الأجور في الولايات المتحدة عالية ويبلغ حدها الأدنى 7.25 دولار للساعة الواحدة، ما يعني إمكانات جيدة للعاملين للإنفاق الاستهلاكي.
يرى اقتصاديون أن آفاق الاقتصاد الأميركي تبدو واعدة وهناك إمكانات لبلوغ معدل النمو السنوي ما يتراوح بين 2 و3 في المئة. كما أن معدل البطالة يظل في مستويات مقبولة تتراوح بين 4 و5 في المئة. أما التضخم فلا يبدو أن هناك أي معدل يذكر، كما تشير بيانات السنوات أو الشهور الماضية.
الرئيس ترامب يريد أن يرفع معدل النمو الاقتصادي إلى 4 في المئة لكنّ هناك مسؤولين في الإدارة، وخصوصاً مسؤولي مجلس الاحتياط الفيديرالي، لا يتفقون معه في هذه المسألة إذ يرون أن أي أرتفاع لمعدل النمو عن مستوى الثلاثة في المئة قد يسبب تضخماً يدفع إلى مراجعات واسعة للسياسات النقدية.
والتضخم، كما أشرت آنفاً، يظل متواضعاً وهناك تقارير تتوقع أن يصل معدله الى 1.9 في المئة خلال هذا العام وربما يرتفع إلى 2.0 في المئة في عام 2018. مثل هذا المعدل من التضخم قد لا يدفع إدارة الاحتياط الفيديرالي لتعديل سعر الخصم الذي يظل متدنياً في الوقت الراهن، وقد تم رفع المعدل إلى 0.75 في المئة في كانون الأول (ديسمبر) 2016.
معلوم أن الولايات المتحدة ظلت خلال السنوات والعقود الماضية تواجه منافسة مهمة في مجال الصناعات التحويلية، بعدما تمكنت بلدان في أوروبا وآسيا من تطوير صناعاتها الرئيسية وتمكنت من غزو سوق الولايات المتحدة بمنتجاتها المتفوقة نوعياً. كما أن تكاليف الإنتاج في تلك البلدان ظلت أقل مما هي عليه في الصناعات الأميركية.
وهناك الآن من يتوقع أن تتمكن الصناعات التحويلية في الولايات المتحدة من تجاوز مشكلاتها الهيكلية وتخفض التكاليف. لذلك فإن التوقعات تشير الى أن قطاع الصناعات التحويلية سيتمكن من تحقيق نمو أسرع من معدل النمو الاقتصادي العام، وأن يبلغ معدل النمو في هذا القطاع 3 في المئة هذه السنة و2.8 عام 2018.
لا شك في أن انخفاض أسعار النفط ساهم في تحسين أداء قطاعات اقتصادية عدة في الولايات المتحدة، اذ انخفضت تكاليف النقل والأغذية والمواد الأولية ما عزز قدرة المنشآت من تحقيق معدلات ربحية جيدة. ولا بد من الإشارة الى أن إمكانات الإبداع والتطوير لدى الشركات والمنشآت تظل ذات أهمية حيث إن المؤسسات التعليمية، من جامعات ومراكز بحوث، تشارك الشركات ومؤسسات الأعمال في البحوث من أجل الارتقاء بالأعمال الإنتاجية في القطاعات المختلفة. وبطبيعة الحال تعتمد نشاطات البحوث والتطوير على تمويلات من الحكومة الفيديرالية، فهل سيعمد الرئيس ترامب الى خفض هذه التمويلات خلال سنوات حكمه أو سيدعمها؟
الانعزالية والعداء لطروحات منظمة التجارة الدولية التي وردت في البرامج الانتخابية لترامب لم يكونا مقنعين أو مفيدين، وهما إن طبقا قد يلحقان أضراراً بالغة بالكثير من المؤسسات الاقتصادية الأميركية.
بيد أن اعتماد سياسات فعلية لتنفيذ الوعود الانتخابية قد لا يكون ممكناً في مجالات عدة. وإذا اشتكى الرئيس من العجز في ميزان التجارة مع بلدان مثل ألمانيا أو الصين، فإن المعالجة لا تكون بالحد من الاستيراد بل في تطوير القدرات الإنتاجية في الولايات المتحدة والمنافسة في أسواق التجارة العالمية. ومهما يكن من أمر، فإن الاقتصاد الأميركي سيظل حيوياً على رغم توجهات الرئيس.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.