لو أن سفيراً لأي دولة، وفي أي دولة، قال إنه لا توجد ولايات متحدة، وإن الأرض التي تقوم عليها هذه الدولة ليست أميركية، وإنما للهنود الحمر، فهل تسكت واشنطن يا ترى، و”لا تقيم” الدنيا ولا تقعدها؟! بالطبع لا، وغير مستبعد، لأنها الدولة الأعظم والأكبر والأقوى، أن تعلن الحرب على دولة هذا السفير، إن هي لم تطرده شر طردة حتى بدون استجواب ولا محاكمة… وبلا سؤال ولا جواب؟!
أما أن يصف سفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، التي احتلت في حرب يونيو 1967، ورغم أن هناك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، بأنه “الاحتلال المزعوم”، فإن واشنطن لم تتخذ أي إجراء بحقه، ولم يصدر عنها ولو تأنيباً خجولاً، وذلك في حين أن المفترض ألا يبقى هذا السفير في مكانه ولو للحظة واحدة، لأنه اتخذ موقفاً مخالفاً لموقف الدولة التي يمثلها، ولأن هذا الذي قاله لم يقله “علناً” حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يفعل في الضفة الغربية المحتلة أكثر كثيراً من إنكار وجود هذا الاحتلال.
والغريب أن العرب والمسلمين ومعهم دول العالم التي تحترم نفسها، لم يصدر عنهم ولو مجرد احتجاج “إنشائي” من أجل رفع العتب، مع العلم أن اعتراض السلطة الوطنية الفلسطينية كان مجرد “تمتمة” خافتة، لأنها مغلوبة على أمرها أعانها الله، مما سيشجع حتى بعض “الأصدقاء” المؤلفة قلوبهم على السماح لسفرائهم لدى بلاط بنيامين نتنياهو بأن يقولوا أكثر من هذا الذي قاله ديفيد فريدمان.
لقد بقي هذا الـ “فريدمان” يطالب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة حتى قبل أن يصبح سفيراً لأميركا لدى إسرائيل، ولقد بادر هذا الـ “فريدمان” أيضاً إلى اختيار مكان إقامته في هذه المدينة المقدسة المحتلة، وكل هذا وهو قد دأب على الذهاب إلى جدار “البراق” الملاصق للمسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة على أساس أنه “المبكى” المزعوم، مصحوباً بـ “كاميرات” مدفوعة الأجر، وتقبيله بطريقة استعراضية هدفها استفزاز الفلسطينيين والعرب والمسلمين وكل أصحاب الضمائر الحية في أربع رياح الكرة الأرضية.
إنه بإمكان فريدمان أن يستقيل، وأن يتخلى عن كونه سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل، وأن يستل جواز سفره الإسرائيلي من جيبه ويعلن “إسرائيليته” على رؤوس الأشهاد، ويرشح نفسه رئيس وزراء لدولة الاحتلال هذه، وعندها فإنه لا عتب على واشنطن إن هي لاذت بالصمت… أما أن يصف سفيرها في “بلاط” بنيامين نتنياهو احتلال عام 1967، الذي من المفترض أن أميركا كدولة ترفضه، وأنها مع قرار مجلس الأمن رقم 242، بهذا الوصف، ويبقى في موقعه وفي مكانه فإن هذه إهانة ما بعدها إهانة للعرب جميعهم، ومعهم كل الذين رفضوا ويرفضون هذا الاحتلال، وكل الذين أيدوا ويؤيدون هذا القرار الدولي.
كان يجب أن تواجه “صفاقة” هذا السفير الأميركي، ولو بمجرد احتجاج خجول، أما أن يكون هناك كل هذا الصمت المريب فإن هذا غير مقبول على الإطلاق، خاصة أنه سيشجع آخرين على وصف احتلال الأراضي الفلسطينية بأنه “احتلال مزعوم”!
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.