سوريا والانسحاب الأمريكي
يونس السيد
إعلان الرئيس دونالد ترامب المفاجئ عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا «قريباً جداً» و«تركها للآخرين»، يثير الدهشة والاستغراب أكثر مما يعبّر عن جديّة حقيقية أو إمكانية واقعية لترجمة ذلك على الأرض، وإن كان لا يشي بأنه جاء عفوياً أو وليد اللحظة بقدر ما يدل على أنه خضع لنقاش مسبق داخل البيت الأبيض.
المفاجأة تكمن في التوقيت من حيث إنه جاء معاكساً للمنحى التصاعدي لسير الأحداث في سوريا والمنطقة، وهو يتناقض تماماً مع الحديث عن عدم اكتمال المعركة مع تنظيم «داعش» ومع ما يردده الجنرالات الأمريكيون، وعلى رأسهم وزير الدفاع جيم ماتيس عن البقاء في سوريا لفترة غير محددة، بل المطالبة بزيادة عدد هذه القوات، وأيضاً مع إرسال تعزيزات للقوات الأمريكية في منبج، تحسباً لإمكانية اندلاع مواجهة مع القوات التركية.
ولا يخلو الأمر من دلالة أن يأتي الإعلان متزامناً مع خسارة الفصائل المعارضة آخر معاقلها في الغوطة الشرقية، وهي التي كانت على وشك توجيه ضربة عسكرية للنظام على خلفية استخدام «الكيماوي»، وعدلت عن ذلك بعد أن شعرت أن ذلك سيقود حتماً إلى الصدام مع روسيا. فماذا يعني كل ذلك ؟.. هل تخلّت واشنطن عن حلفائها في المعارضة السورية، بما في ذلك الوحدات الكردية التي شكّلت رأس الحربة في اقتلاع «داعش» من معقله الأساسي في الرقة؟ وماذا يعني ترك الأمر للآخرين، هل يعني العودة للحسابات الاستراتيجية وترك الأمر لتركيا وحلفائها باعتبارها عضواً في حلف «الناتو» وتبقى ثابتاً أكيداً مهما كانت التعارضات التكتيكية بينهما؟
وبالمحصلة فإن قرار الانسحاب من سوريا هو خيار استراتيجي لا يعطل أي حل سياسي للأزمة السورية فحسب، بل من شأنه أن يؤثّر في مجمل السياسة الأمريكية في المنطقة.
يبرر ترامب في حديثه الذي كان موجهاً لفقراء أمريكا إعلان الانسحاب بأن الولايات المتحدة أنفقت في الشرق الأوسط سبعة مليارات دولار، وبأنه يريد استغلال هذه المصاريف الباهظة في تحسين البنى التحتية والمدارس والمستشفيات لصالحهم. لكن هذا الحديث فاجأ الأمريكيين أنفسهم، حتى الخارجية الأمريكية أعلنت في حينه أنها لم تبلّغ ولا علم لها بهذا القرار، فيما يبدو أنه تحوّل إلى موضوع خلافي بين القادة السياسيين والعسكريين، فهناك في«البنتاجون» من يدفع باتجاه البقاء في سوريا لمدة عامين على الأقل، وزيادة عدد القوات إلى نحو خمسة آلاف، وهناك من يقول إن ترامب أبلغ مستشاريه بقرار الانسحاب، وقرّر تجميد 200 مليون دولار، كانت مخصصة لإعادة الإعمار في سوريا، فيما يعتقد السيناتور الجمهوري وعضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ لينزي جراهام، أن الانسحاب السريع «سيعيد داعش إلى الواجهة ويخرج الحرب بين تركيا والأكراد عن السيطرة، ويمنح دمشق للإيرانيين».. لكن هذا الجدل يبقى بانتظار الحسم في مجلس الأمن القومي الأمريكي.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.