نشرت وسائل إعلام عديدة عن مصادر في وكالة المخابرات (سي آي إي) أن الجهاز الأمني الأمريكي يعتقد أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هو الذي أمر بقتل الصحافي البارز جمال خاشقجي في إسطنبول وأن «سي آي إي» قامت باطلاع الجهات المختصة بما فيها الكونغرس بتقديراتها هذه والتي تتناقض مع تأكيدات السلطات السعودية بأن بن سلمان ليس متورطا في عملية الاغتيال.
اعتمدت الوكالة، بداية، على مكالمة خالد بن سلمان، سفير الرياض في واشنطن، تلقى فيها أوامر من شقيقه تضمن لخاشقجي أمنه حين يزور القنصلية السعودية في إسطنبول، كما اعتمدت على مكالمة أخرى أجراها المتهم بقيادة فريق الاغتيال، ماهر مطرب، من مبنى القنصلية بعد مقتل خاشقجي، بسعود القطحاني، الذي يعتبر اليد اليمنى لبن سلمان تبلغه بأن المهمة أنجزت، ورغم أنه لا يوجد «دليل محسوس» على تورّط بن سلمان في الجريمة لكن تقديرات «سي آي إي» أن الجريمة ما كانت لتحصل من دون موافقة وليّ العهد.
يعتبر هذا الاتهام الأقوى والأكثر تأكيدا حتى الآن في ربط ولي العهد السعودي مباشرة بعملية الاغتيال، وكانت هناك ردود فعل مباشرة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تشي بالتفاعلات التي أدى إليها تأكيد المخابرات الأمريكية لهذا الاتهام الخطير.
ظهرت هذه التفاعلات بسرعة على شكل استقالة مسؤولة تنظيم السياسات الأمريكية مع السعودية، كريستين فونيتنروز، والتي لعبت دورا مهما في فرض بلادها عقوبات على عدد من السعوديين على خلفية قضية الاغتيال، والواضح أن تقرير المخابرات الأمريكية جعلها في موقع المطالبة برفع سقف البيت الأبيض نفسه باتجاه اتهام بن سلمان، وأن استقالتها هي محاولة دفع معاكسة من إدارة الرئيس الأمريكي.
استمرّ ترامب، من جهته، في لعب دور لاعب السيرك الذي يسير على حبل فيستقبل بعصاه التأكيدات الرسميّة المتزايدة على دور بن سلمان (قال إن تقييم المخابرات الأمريكية لمقتل خاشقجي سابق لأوانه «لكنه ممكن»)، ثم يقوم بتنفيسها بالحديث عن تأكيدات وليّ العهد له بأن لا علاقة له بالاغتيال! وبأنه لا يريد أن يخسر الحليف السعودي لدوره في مجابهة إيران (وتسيير شؤونه العربية ـ الإسرائيلية)، مضيفا أنه لا يريد الاستماع إلى شريط التسجيل الذي يعرض تفاصيل قتل خاشقجي لأنه <<وحشيّ ومفزع>>.
العامل المهمّ، إضافة إلى تقرير المخابرات الأمريكية، هو الإصرار الكبير لدى جزء كبير من الإعلام الأمريكي المؤثر على منع طمس قضية الاغتيال والمضيّ بها نحو نهاياتها المنطقية: محاسبة المسؤول الحقيقي عن عملية الاغتيال وليس فقط أدوات التنفيذ التي يراد لها أن تلعب دور كبش الفداء.
على الساحة السعودية وجدنا ردّاً وحيداً حتى الآن جاء من الأمير خالد بن سلمان، قال فيه إنه لم يتصل هاتفيا بخاشقجي ليطلب منه الذهاب إلى إسطنبول أبداً، مطالبا الحكومة الأمريكية <<بنشر أي معلومات تتعلق بهذا الادعاء>>.
الواضح أن إدارة ترامب ماضية في محاولة إخراج وليّ العهد السعودي من الورطة لكنّ هذا يورّطها هي نفسها بعملية التغطية، وقد لاحظنا رد فعل عنيفا من «واشنطن بوست»، الصحيفة التي كان خاشقجي أحد كتابها، يعتبر أن هدف العقوبات الأمريكية على 17 شخصا سعوديا هو استثناء ولي العهد من القرار، وأن ذلك محاولة لإبعاد البيت الأبيض نفسه عن الاعتراف بأن رهانه على الأمير البالغ من العمر 33 عاماً فقط كحليف استراتيجي كان خطأ فادحا.
المراهنة صارت على قدرة تقرير الـ«سي آي إي» على زعزعة صفوف إدارة ترامب (وهو ما حصل جزئياً)، وكذلك إقناع مزيد من أعضاء الكونغرس الفاعلين، وهو ما حصل أيضاً مع انضمام نواب جمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس إلى قائمة المطالبين بمعاقبة بن سلمان، وأخيراً على قدرة بن سلمان على الصمود أمام هذه الضغوط الخارجية والداخلية التي تتزايد يوما بعد يوم
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.