تصب أعمال العنف العرقية في صالح ترامب انتخابيا. القصة لم تعد عدالة اجتماعية وتقسيما عرقيا بقدر ما أنها اتجهت نحو الفوضى وانعدام الأمن، ما جعل عموم الناخبين الأميركيين ينشدون قوة المؤسسات والشرطة، وهو ما يمثله ترامب أمامهم. مستشارو ترامب يقولون صراحة وعلانية إن أعمال الشغب جعلتهم في موقع أفضل انتخابيا وزادت من شعبية ترامب للرئاسة. بايدن بالمقابل ينهج الأسلوب الموحد للأميركيين ويتحدث عن العدالة الاجتماعية والظلم المؤسسي العرقي، وإن كان قد حاول أن ينأى بنفسه عن أعمال العنف ويدينها قائلا إن السرقة والفوضى ليسا أسلوب احتجاج أو أنهما تمثلان حقا في التظاهر. هو يريد الخروج من هذه الدوامة من العنف عن طريق اجتماعي مؤسسي وليس بقبضة الشرطة الحديدية، ويريد أن يقوم بما يقوم به الرؤساء من توحيد للمجتمع وتضميد جراحه، ولكن هذا لا يبدو مفيدا انتخابيا.
لهذه الأسباب باتت أعمال العنف الداخلية في أميركا عاملا مؤثرا في الانتخابات، ويبدو أن عموم الأميركيين يفضلون رئيسا حازما قويا في التعامل معها، لا سيما أنها خرجت عن أسلوب الحق في التظاهر لتصبح سببا للفوضى والسرقة والنهب. هذا داخليا، أما خارجيا، وخاصة لنا نحن في الشرق الأوسط، فالصورة منعدمة الوضوح، فالمرشحان يمتلكان أفضلية في جوانب وفي الأخرى سلبيات. ترامب كان الرئيس الأكثر انحيازا ضد القضية الفلسطينية وأعطى إسرائيل كل ما تريد ولم يأبه بحقوق الفلسطينيين، اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وشرعن المستوطنات اللاقانونية واللاشرعية من وجهة نظر القانون والشرعية الدولية. لكن ترامب كان قويا حازما بملف إيران، وفرض عقوبات صارمة بدأت تؤتي ثمارا على طريق تقليم أيادي إيران الإقليمية وعبثها بالشرق الأوسط الذي بات سببا أساسيا لانعدام الأمن والاستقرار الإقليميين.
وفي المقابل، فإن التوقعات أن بايدن سيكون ناعما مع إيران، ويصدق أكاذيبها وربما يعود للاتفاق الذي ألغاه ترامب معها. هذا سيعد وصفة كارثية بالنسبة لدول الخليج التي تعاني يوميا من عبث إيران ونشاطاتها الباعثة على عدم الاستقرار. لكن بايدن سيكون أكثر إنصافا للفلسطينيين بحسب سجله ومواقفه المعلنة، فهو المؤمن بحل الدولتين بشكل قوي، وهو أيضا لن يكون منحازا لليميني نتنياهو فبينهم تاريخ من اللاتفاهم وعدم الثقة، لذلك يتوقع أن يقوم بايدن بتبني أسلوب أقرب لكلنتون وأوباما تجاه الصراع يعمل كل ما من شأنه حل الصراع على أسس قرارات مجلس الأمن وإقامة حل الدولتين.
خياران ضبابيان لنا نحن في الشرق الأوسط، فلكل مرشح ميزاته الإقليمية المفضلة عند بعض الدول والقوى. الثابت بكل الأحوال، هو أن الانسحاب الأميركي المتدرج من الشرق الأوسط هو الحقيقة الاستراتيجية التي لا بد من التعامل معها، سواء كان الرئيس جمهوريا أم ديمقراطيا، ما يجعل قوى الإقليم تفكر وتدرك ضرورات تقليع شوكها بيدها، وأن تتعاون فيما بينها لكي تواجه تحديات الإقليم وترسيخ استقراره.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.