In Response to John Bolton and the Three-State Option

<--

خيار الدول الثلاث… رداً على الكاتب جون بولتون

Publication_date:

الجمعة يناير 9 2009

المؤلف:

عيسى قراقع

نشر الكاتب جون بولتون يوم الأربعاء 7/1/2009 في جريدة القدس مقالاً بعنوان «خيار الدول الثلاث» حيث يقترح حلاً سياسياً للقضية الفلسطينية يتمثل بإلحاق قطاع غزة الى مصر، والضفة الغربية الى الأردن، معتقداً بذلك أن السلام سيعم المنطقة.

مقالة بولتون كتبت على وقع الحرب الدموية البشعة التي تدور رحاها في غزة، حيث ترتكب حكومة إسرائيل مجازر على مدار الساعة في شوارع قطاع غزة، والحل عنده لإيقاف هذه الحرب ما اقترحه من مشروع سياسي تصفوي للقضية الفلسطينية والى أبد الآبدين متوجاً باقتراحه هذا انتصار الجيش الإسرائيلي مسبقاً على المقاومة الفلسطينية واعتقاده أن ثمرة هذه الحرب سياسياً هي هذا المشروع الخطير…

المشروع المقترح قديم جديد وقد بدأ يتدحرج في السياسات الإسرائيلية تحت عناوين مختلفة من نظرية اللاشريك الى نظرية الانفصال أحادي الجانب وكل ذلك في سياق محاولة إجهاض الحقوق الوطنية الفلسطينية وإظهار الفلسطينيين كشعب غير مؤهل ولا يستحق الاستقلال والدولة.

كنت أتوقع من الكاتب بولتون الذي كان مرشحا لنيل جائزة نوبل للسلام أن يتطرق في مقالته الى المذابح والمجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال في غزة بحق السكان المدنيين، وأن يكشف الى أي مستوى وصل الانحطاط العسكري والأمني والخلقي في دولة إسرائيل بتدمير قطاع غزة الصغير والمحاصر والمكتظ سكانياً وإنزال الصواريخ والقنابل فوق رؤوس البشر وارتكاب جرائم حرب على مسمع ومرأى كل العالم…

كنت أتوقع أن يطالب بمحاسبة هذه الدولة التي ترتكب هذا الكم من القتل والدمار بشكل ممنهج ضد أبناء شعبنا الفلسطيني وضد حقوقه السياسية والإنسانية والوطنية.

اقتراح بولتون هو أقسى من الحرب وأشد، وهو صدى وتفعيل للاستراتيجيات الاسرائيلية التي وضعت في خططها فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وإلحاقهما بمصر والأردن لإنهاء وشطب القضية الفلسطينية.

هذا المخطط كشف عنه عام 1989 تحت عنوان «خيارات إسرائيل للسلام» أعد من قبل مجموعة من الباحثين الإسرائيليين الاستراتيجيين في جامعة تل أبيب، وكشف شارون في نواياه عن هذا المخطط عندما قرر انسحاب الجيش الإسرائيلي من طرف واحد من قطاع غزة…

ويأتي التخطيط الإسرائيلي بفك الارتباط الإسرائيلي بغزة كخطوة في سياق متكامل بدأ منذ الاحتلال عام 1967 حيث حافظت إسرائيل على الفصل بين الضفة وغزة بمختلف الوسائل السياسية والأمنية، وعبر إبقاء القوانين الأردنية سارية في الضفة والقوانين المصرية سارية في غزة وقيامها باستبدالها بالأوامر العسكرية.

ويعرف الفلسطينيون أن للعدوان الإسرائيلي أهدافاً بعيدة تتمثل في قطع الطريق على قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة في الضفة والقطاع بعد أن اجمع كل العالم وأيد إقامة هذه الدولة.

كما ان العدوان يهدف الى إجبار الفلسطينيين على قبول الحل الإسرائيلي بتصفية القضية الفلسطينية وقبولهم تطبيق مشروع الدول الثلاث.

الشعب الفلسطيني يعرف تماماً أن الحرب على غزة ليست حرباً على حماس وحدها وإنما هي حرب على الشعب الفلسطيني بأسره وعلى هويته وكينونته ووحدته الوطنية والجغرافية.

ولعّل مشروع الدول الثلاث الذي يطرحه الكاتب وهو شخصية سياسية عملت في إدارتي كلينتون وبوش وممثلا لأمريكا في الامم المتحدة لا ينطلق من فراغ، وإنما في إطار قطف ثمار الحرب العسكرية الإسرائيلية على غزة تحت يافطة تغيير الواقع الأمني في القطاع بتعزيز انفصال غزة عن الضفة الغربية واعتبارها كيانا مستقلا والتجاهل عمدا أنها واقعة تحت الاحتلال.

الشعب الفلسطيني قد تصدى لمثل هذه المخططات وأسقطها بصموده وانتفاضته، وأن إسرائيل أجبرت في اتفاق أوسلو عن وضع هذا المشروع على الرف أمام إصرار الرئيس عرفات على أن يتضمن اتفاق أوسلو عبارة تؤكد على أن الضفة الغربية وغزة وحدة جغرافية واحدة، وأصر على ربط انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة وأريحا معاً.

لقد أخرج الكاتب هذا المشروع من الأجندة الاسرائيلية للترويج لها من جديد على اعتقاد منه أن الحرب الدموية في غزة ستفتح حيزاً سياسياً جديداً لتطبيقه على ارض الواقع…

تحاول إسرائيل التصرف مع قطاع غزة تحت سلطة حماس باعتباره حالة يمكن تدجينها بإضعافها وعلى حد قول افرايم هليفي: حماس المضروبة ولكن ليست المهزومة، تمهيدا لعقد اتفاق معها يبقي سلطتها قائمة وفق ترتيبات جديدة في قطاع غزة المنفصل تماما عن الضفة الغربية وخلق حقائق على الأرض تساهم في ربط غزة بمصر.

وتبدو خطورة مشروع الدول الثلاث مستقبلا والحفاظ على سلطة منفصلة إداريا وسياسيا في قطاع غزة كحل من الحلول الإسرائيلية لإنهاء عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون النسبة الأكبر من سكان قطاع غزة وللتخلص كما يقول الإسرائيليون من خطر القنبلة الديمغرافية.

وقد ورد في المعطيات الإستراتيجية التي نوقشت في مؤتمر هرتسليا الإسرائيلي عام 2007 أن انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية يساهم في زيادة تصدع نسيج المجتمع الفلسطيني وتعميق الأزمة بين القوى السياسية الفلسطينية، وهذا سيؤدي الى القضاء على الحلم الفلسطيني ببناء الدولة والوطن.

الرئيس المصري في خطابه الأخير أوضح أن مصر لن تقع في مصيدة إلحاق غزة بمصر، معبرا بذلك عن خطورة ما هو قادم سياسيا على ضوء العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة وخاصة أن رفع الحصار وفتح معبر رفح بدون إنهاء الاحتلال للقطاع سيسفر عن الوقوع في هذه المصيدة.

إن الكاتب يراهن في تصوره على انتصار إسرائيل في غزة كي تلقى الضفة في حضن الأردن بعد أن ضمت إسرائيل كل ما تحتاجه من الأرض الفلسطينية بالمستوطنات والجدار وتهويد القدس.

لم يتحدث الكاتب عن المسؤولية الإسرائيلية في عدم الالتزام بالاتفاقيات السياسية الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل، وقيامها بتغيير الأمر الواقع على الأرض بما ينسف حل قيام الدولتين.

لم يتحدث الكاتب عن المسؤولية القانونية التي تتحملها إسرائيل بعدم الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وضربها بعرض الحائط للقرارات الأممية القانونية والسياسية وعربدتها في المنطقة كدولة فوق القانون.

وأخيرا إن خيار الدول الثلاث هو خيار حاول الإسرائيليون تطبيقه ولكنهم فشلوا فالوطنية القومية الفلسطينية، ومشروع الدولة المستقلة أصبح خياراً استراتيجياً للعالم كله وإسرائيل ليست اللاعب الوحيد في الساحة رغم اختلال موازين القوى…

عيسى قراقع

الحقوق محفوظة للقدس المحدودة © 2008

About this publication