قد يريحنا نفسيا أن نتصور أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة هي التي تنحاز لإسرائيل وتؤازرها في كل المجالات وأن الرأي العام الأمريكي لا يقر ذلك وأنه مؤمن بالحقوق العربية والفلسطينية نظرا لأنها واضحة وضوح الشمس. لكن واقع الأمر مختلف تماما.. فالرأي العام الأمريكي لديه في غالبيته قناعة راسخة بأن إسرائيل هي الضحية والطرف المظلوم في الشرق الأوسط وأن العرب هم الجانب المعتدي والمتعنت.. والمواطن الأمريكي محاصر علي الدوام بالآراء والأفكار التي ترسخ في نفسه هذه القناعات. وهناك وراء عملية غسيل المخ المستمرة للعقل الأمريكي خاصة والغربي عامة رجال ونساء يكرسون حياتهم لحمل لواء الأفكار الصهيونية وإقناع الجميع بأن إسرائيل هي ضحية للتخلف العربي وأن إسرائيل وأمريكا تقفان في خندق واحد ضد خطر الإسلام والتطرف والإرهاب. وهناك جيش خفي وغامض يعمل من وراء الستار لكن هناك من بين هؤلاء بعض النجوم المعروفة في أمريكا وإن كانت غير معروفة عندنا. لكذلك رأيت من المهم إلقاء الضوء علي بعض هذه الشخصيات التي تؤثر في تشكيل الرأي العام الأمريكي إزاء الشرق الأوسط، وتلعب بالتالي دورا مؤثرا بل وحيويا في حياتنا. ولعل من أبرز تلك الشخصيات التي تحرك الخيوط من وراء الكواليس روبيرت (بحرف البي الثقيلة) موردوك وهو أمريكي من أصل أسترالي يعد من أهم أباطرة الإعلام في العالم. قد بلغ هذا الرجل من الأهمية إلي درجة أن تيد ترنر مؤسس شبكة »سي إن إن« يصفه بأنه »أخطر رجل في العالم«، كما أنهم يطلقون عليه في أمريكا لقب »صانع الملوك«. ويتربع موردوك الذي يبلغ من العمر 78 عاما علي إمبراطورية حقيقية هي »نيوز كوربوريشن« أي مؤسسة الأخبار والتي تضم 175 صحيفة يومية في مختلف أنحاء العالم وشركة سينمائية للإنتاج والتوزيع اسمها »سنتوري فوكس ستديو«، بالإضافة إلي امتلاكه 35 قناة تلفزيونية تبث سمومها في القارات الخمس وعلي رأسها »فوكس نيوز« التي تعد من أهم القنوات في أمريكا اليوم. وقد اشتري في عام 2007 واحدة من أهم صحف العالم وهي »وول ستريت« الأمريكية التي توزع أكثر من 2 مليون نسخة يوميا، وقد دفع فيها موردوك مبلغ 5 مليارات دولار. وترصع أمبراطورية موردوك بعض الصحف التي تحظي بمكانة في الرأي العام مثل »نيويورك بوست الأمريكية« و»التايمز البريطانية«. ومن أجل وضع حجاب عازل حول دوافع ميوله السياسية فإن موردوك لا يحب كثيرا ذكر أن أمه يهودية من أيرلندا وأنها أثرت كثيرا في تربيته وتكوينه. لكن انتماء موردوك لإسرائيل لا ينبع أساسا فيما يبدو من منطلق ديني وإنما من قناعة بأن إسرائيل هي بمثابة رأس الحربة للحضارة الغربية في بلاد العرب والإسلام، وبالتالي فإن الدفاع عنها ليس دفاعا عن دولة أجنبية وإنما دفاع عن الكيان الغربي في العالم وهيمنته من أجل »خير الشعوب«. ويبدو أن موردوك مؤمن بأن لديه مهمة مقدسة هي إعلاء قيم اليمين المحافظ بكل ما تمثله من تزمت وتطرف فكري وتعالٍ علي الآخرين وخاصة شعوب وثقافات العالم الثالث. وعلي الرغم من أنه رجل أعمال بالدرجة الأولي وأنه يتنازل أحيانا عن قناعاته السياسية من أجل »البيزنس« حيث يتعامل مع نظام الصين الشيوعي ويدافع عنه.. إلا أنه يستخدم نفوذه الإعلامي الضخم لشن حرب صليبية ضد كل ما هو ليس غربياً بل ضد كل ما يخالف قناعات اليمين المحافظ. ومن هذا المنطلق كانت كل الوسائط الإعلامية التابعة لموردوك تساند سياسة الرئيس السابق بوش وتدافع باستماتة عن غزو العراق وأفغانستان وتؤلب الرأي العام الأمريكي ضد العالم العربي والإسلامي وتساهم في تصوير عالمنا بأنه عالم الإرهاب وسفك الدماء وقمع الحريات. وللحديث بقية.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.