كل من قيض له أن يشاهد الحلقة التي استضافت خلالها أوبْرا الرئيس الأميركي السابق جورج بوش خرج بانطباع رئيس مؤداه: رغم كل ما ألحقه هذا الرجل بالعالم من ويلات ودمار إلا أنه كان يمكن أن يلحق بالعالم ما هو أكثر من ذلك بكثير لسبب واحد يتمثل في أن هذا الرجل عصي جداً على الشعور بالذنب رغم أنه يتحمّل مسؤولية شنّ الحرب على أفغانستان وعلى العراق كما أنه يتحمل مسؤولية التقصير الفادح على صعيد التعامل مع كارثة إعصار كاترينا وعلى صعيد التنبؤ والتحذير من الانهيار المالي الأميركي.
بمناسبة صدور كتابه (مراحل القرار) وجّهت أوبْرا لضيفها جورج بوش العديد من الأسئلة التي كان يمكن أن تستدر لدى أعتى القساة في العالم بعضاً من الشعور بالندم ، لكن الرئيس الأميركي العتيد مضى في الإجابة عن الأسئلة كما لو أنه يجيب أسئلة امتحان عاديّ في التاريخ: فردّاً على السؤال الذي وجه له بخصوص ما اتخذه من اجراءات وقرارات في ضوء هجوم الحادي عشر من أيلول قفز فجأة من الكلام على تداعيات الهجوم داخل أميركا إلى الكلام على مسؤولية صدّام حسين عن تسليح المنظمات الإرهابية المناوئة لأميركا. وعلى الرغم من أنه اعترف شخصياً بأنه ارتكب خطأً فادحاً حينما أعطى الضوء الأخضر للجيش الأميركي لشنّ هجوم عسكري على العراق استناداً إلى معلومات استخبارية خاطئة بخصوص امتلاك العراق أسلحة دمار شامل ، وعلى الرغم من أنه حمّل صدّام حسين مسؤولية شنّ هذا الهجوم لأنه أعطى انطباعاً قوياً بأنه يمتلك أسلحة دمار شامل (كذا،،) وعلى الرغم من أنه اعترف بأنه يتحمّل شخصياً مسؤولية مقتل خمسة آلاف جندي أميركي في العراق بعيداً عن وطنهم وأسرهم إلا أنه أصرّ على القول بأنه اتخذ القرار الصحيح وأنه حمى أميركا من هجوم لاحق كان صدّام حسين سوف يشنّه فور امتلاكه أسلحة الدمار الشامل،، وردّاً على السؤال الذي وجه له بخصوص ما اتخذه من اجراءات وقرارات في ضوء إعصار كاترينا الذي مثّل أكبر كارثة في التاريخ الأميركي لم يتردد الرئيس العتيد في تحميل المسؤولية لحكومة الولاية المنكوبة التي سمح لنفسه بأن يلقي نظرة على ما ألمّ بها من دمار هائل عبر نافذة طائرته الخاصة ، زاعماً بأنه لم يرغب في زيارتها شخصياً خشية انتزاع رجال الحرس الوطني من واجبهم وإجبارهم على حمايته وفقاً للإجراءات الأمنية المشددة التي يتم اتخاذها في العادة لدى قيام الرئيس بجولات ميدانية،،.
ومع أن جولته التفقدية الجوية تأخرت أربعة أيام إلا أنه استمر في تأكيد قيامه باتخاذ القرار الصائب وإن اعترف بأنه أخطأ في تقدير حجم الأضرار الناجمة عن الإعصار،، أما بخصوص ما اتخذه من إجراءات وقرارات على صعيد التنبؤ بالانهيار المالي الأميركي أو على صعيد وقف هذا الانهيار الذي بدأ في عهده فقد حمّل مسؤولية التقصير لكبار الخبراء والموظفين الذين أعطوه انطباعاً بأن هناك مشكلة مالية كبيرة في قطاع العقارات ولم يجدوا مانعاً من تشجيع الحكومة الأميركية على الاستمرار في ضمان كبار المقاولين،،.
إجابات جورج بوش التي سأترك للقراء الأعزاء فرصة الحكم على مدى حصافتها لم تشمل مدى مسؤوليته عن مقتل مئات الآلاف من المسلمين في أفغانستان والعراق وباكستان ولبنان وفلسطين ، ولم تشمل أيضاً العديد من أوجه الضرر الهائل الذي ألحقه بالتعايش السلمي بين الحضارات والثقافات والأديان والأعراق ، ومع ذلك فقد بدا في المقابلة مطمئن البال مرتاح الضمير،،.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.