2010-11-20
لم تعد الصين وحدها مستهدفة من قبل الادارة الامريكية, ولم تعد صادرات الدول الناشئة الخطر الوحيد على الاقتصاد الامريكي, فقد انضمت المانيا الى القائمة, والمطلوب امريكيا تحفيز اسواقها المحلية لمساعدة الاقتصاد العالمي على التعافي, اي بمعنى اخر خفض صادراتها, لمساعدة الاقتصاد الامريكي على التمتع بنصيب اكبر في التجارة العالمية وتخفيض العجز التجاري الامريكي, جاء الرد الالماني على لسان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل… لن نسمح بمعاقبتنا على نجاحنا كدولة قيادية في قطاع التصدير, وفي ردها على الاقتراح الامريكي المقدم في قمة دول العشرين المنعقد الاسبوع الماضي في كوريا حول ضبط الصادرات بما لا يزيد عن الفائض التجاري لأي دولة عن 4% من إجمالي الناتج المحلي, جددت رفضها تحديد مستويات رقمية لموازين المعاملات التجارية للدول, كحل لازمة الاختلالات الاقتصادية بين دول العالم, معتبرة أن ذلك سيكون مناقضا لمبادئ حرية التجارة العالمية, كما أكدت دول الاتحاد الأوروبي المشاركة في قمة دول العشرين دعمها للمستشارة الألمانية, في خلافها مع الرئيس الامريكي باراك أوباما حول تدفق الصادرات من بعض الدول لأنحاء العالم.واعتبرت أن مفتاح خفض الاختلالات القائمة هو بوضع نظام لصرف العملات بحيث تتحرك بطريقة مرنة تعكس الأسس الاقتصادية للدول.
ما يسمى بحرب العملات يتصدر اهتمامات الولايات المتحدة الامريكية في هذه الايام, وتسعى الادارة الامريكية لتصويب التشوهات الهيكلية لاقتصادها في كبح جماح العجز التجاري, فالولايات المتحدة الامريكية تعتبر المستهلك الاول في العالم, ويشكل استهلاكها حوالي ثلثي نشاطها الاقتصادي فاتجهت نحو تخفيض قيمة عملتها امام العملات الرئيسية العالمية, لتعزيز قدرة الاقتصاد الامريكي التنافسية امام السلع الاجنبية في الداخل والخارج, لم تكتف الادارة الامريكية بهذه السياسات التي اشعلت حروب العملات, بعد ان تمكنت من تخفيض قيمة الدولار امام الين الياباني بشكل كبير, واليورو الاوروبي على الرغم من شبه الانهيار الذي تعرض له اليورو خلال العام الحالي على اثر ازمته الاخيرة بسبب تفاقم المديونية في منطقة دول اليورو, ورغم كل ذلك لم تفلح الادارة الامريكية بتخفيض العجز التجاري, لذلك انصبت مساعيها الاخيرة على فرض قيود على الدول الصناعية لضبط صادراتها ضمن سقوف معينة, معتبرة حرية التجارة العالمية, وسياسة الاسواق المفتوحة التي فرضتها السياسات الامريكية على مختلف دول العالم, وجسدتها في اوسع مظاهرها بالعولمة الراسمالية, مسؤولة عن تباطوء النمو الاقتصاد الامريكي, وعجزه في منافسة المراكز الاقتصادية, وهي محاولة امريكية لتجاوز فشلها في التصدي للمشكلات الحقيقية التي تواجه الاقتصاد الامريكي, فالقضية المركزية ان قانون التطور المتفاوت بين المراكز الراسمالية مكن عمالقة الاقتصاد العالمي بمنافسة الاقتصاد الامريكي وعجزه على الصمود امام التجارة العالمية, فأصبحت عاجزة مرتبكة توجه سهامها شرقا وغربا.
من المفارقات الغريبة ان الولايات المتحدة الامريكية عملت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بشتى الوسائل والسبل لفرض نظام اقتصادي قائم على الحرية المطلقة للتجارة العالمية – اما الان فقد وقع الاقتصاد الامريكي ضحية هذه الحرية- ففي الاول من تموز عام 1944 وجهت الولايات المتحدة الامريكية الدعوة الى عقد مؤتمر في ” بريتون وودز” شارك فيه 44 دولة لوضع نظام اقتصادي جديد يستند الى ثلاثة اعمدة اساسية , النظام النقدي الدولي والنظام المالي الدولي والنظام التجاري الدولي, وانشىء بموجبها صندوق النقد الدولي والبنك والدولي , ومنظمة التجارة العالمية بصيغتها الاولية التي عرفت بداية باتفاقية الجات منذ عام 1947 بمشاركة 23 دولة, الى ان اصبحت عام 1994 منظمة التجارة العالمية بمشاركة 117 دولة, بموجب اتفاقيات التجارة العالمية اخضعت الولايات المتحدة الامريكية اقتصادات الدول النامية لشروط غير متكافئة مع المراكز الراسمالية, تضمنت هذه الاتفاقيات ازالة كافة الحواجز الجمركية لتسهيل انسياب السلع من مختلف بلدان العالم, لتواجه المنتجات المحلية وضعا تنافسيا صعبا, من قبل منتجات اجنبية متطورة وبتكلفة اقل, بسبب الاستخدام الاوسع للتكنولوجيا, الامرالذي ادى الى حرمان الصناعات الوطنية الفتية في البلدان النامية من اي شكل من اشكال الحماية الاغلاقية او الجمركية, او اي شكل من اشكال التسهيلات الضريبية او الائتمانية للصادرات الوطنية ,تم ذلك عندما كانت المصالح الامريكية تقتضي ذلك, قبل تعرض الاقتصاد الامريكي للازمة , وقبل تعرف الادارة الامريكية على المأزق الذي يواجه الاقتصاد الحقيقي, اما الان تسعى الادارة الامريكية الى وضع ضوابط وحواجز امام التجارة العالمية بما يتلاءم مع المصالح الامريكية.
نجحت الادارة الامريكية في تمرير سياساتها حول حرية التجارة العالمية, وفرض شروط غير متكافئة بين الشمال والجنوب, بين الدول الغنية والفقيرة, عندما كانت هذه السياسات تخدم مصالح المراكز الراسمالية في العالم اجمع, اما الان فهي تصطدم مع مصالح الدول الصناعية الكبرى , فمن غير المتوقع ان تحقق نجاحات في هذا المجال.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.