الحرج الذي جلبه أوباما أكبر من أن يقاس بمعايير اليوم ، ستكون أولى محطات اختباره هي ترشيح حزبه له في الانتخابات القادمة ، صحيح أن الحزب سيرشحه إلا أن نسبة الترشيح تفعل فعلها .
مثلاً لم يسبق لرئيس أميركي أن أعيد إنتخابه للمرة الثانية وكانت نسبة البطالة مرتفعة بين مبتدأ الولاية الأولى ونهايتها ونسبة البطالة اليوم تصل في الولايات المتحدة الى 7 بالمئة. وهي نسبة تقول عنها الصحافة الأميركية إنها قياسية.
كما إنه لم يتكلم أحد في الولايات المتحدة بأسرها عن الإنسحاب من أفغانستان والعراق قدر حديث أوباما عن ذلك.
لقد صور أوباما وعلى مدى سنتين التدخل العسكري على أنه الحماقة التي ما بعدها حماقة دون أن يتكلف عناء توجيه الرأي العام الى الصورة التي كانت ستكون عليها خارطة العالم والشرق الأوسط تحديداً مع بقاء طالبان وحكم البعث في العراق .
لكنه مع ذلك إكتفى ً بترديد بعض الجمل المطولة والمبنية بدقة عن ضرورة سيادة قيم “السلام العالمي” والتعاون الدولي ضد الفقر والمرض والكوارث الطبيعية التي تولّد الإرهاب وهو العد المفترض لدى أوباما.
في يوم ما كتب منافس أوباما السابق المرشح جون إدواردز يقول ” وجب علينا كأميركيين أن نعيد ارتباطنا مع حلفائنا في قضايا أمنية حرجة بما في ذلك الإرهاب في الشرق الأوسط و التسلح النووي لكن عبر الثقة و إقتراح الحلول كما يجب أن نعيد ترتيباتنا مع أولئك الذين يمثلون تهديداً أمنياً لنا ، كل من إيران الى كوريا الشمالية و على حكومتنا أن تعيد ترتيب علاقتها مع الشعب الأميركي لاستعادة سمعة أمتنا كمثابة أخلاقية “.
إنتهى كلام إدواردز ، الذي يشير بوضوح الى أن سمعة الولايات المتحدة كمثابة أخلاقية تعرضت للتصدع وهي بحاجة الى ترميم ، والاعتراف يقطع نصف الطريق الى العلاج ، لكن بالمقارنة لنلاحظ ماذا يقول أوباماً عن الثقة بين الشعب الأميركي ونظامه الديمقراطي، يقول أوباما “إننا كأمة يجب ان لا نمضي بعيداً عن التعاون الداخلي بين الأميركيين ليتجاوزوا محنة الكساد العالمي ، البيوت المتراصفة تتمكن بالنهاية من صد الأعاصير ” كلام أوباما هذ سبق تمريره لقانون يخضع كل أميركي تتجاوز ملكيته 1مليون دولار الى نظام تعرفي وضريبي خاص.
بالفعل حصل أوباما على دعم من الكونغرس ليهاجم أموال الأغنياء إلا أنه كرس صورته كاشتراكي بسيط يحاول أن يكسر زجاج القنينة ليصل لما فيها.
لكن أوباما ظهر بمظهر المتردد مع أول امتحان لسياسة (اليد الناعمة) التي إنتهجها في تحريك وإدارة قوّة عظمى يمكن لها أن تفرض السلام لأنها قوى عظمى، وحين أوغل اوباما في مسألة النعومة بدا كأنه متذبذب محتار لا إرادة له خاصة مع وزيرة للخارجية سجلت لها الصحافة الأميركية أعلى مستوى للحمق السياسي في التصريحات بين كل من شغل هذا المنصب.
الامتحان الأول كان عبر الموقف من الثورات العربية السلمية، ها هي الشعوب العربية تطبق فعلياً ما كان أوباما يقول أن سيطبقه،إلا أنه فشل في جلب مصاديق التطبيق كما فشل في إدانة الأسلوب الآخر (إسلوب سلفه بوش)في فرض القوة الصارمة على رؤوس جلادي الشعوب وسارقي البلدان والمجتمعات باسم السلطنة.
كانت نكتة سياسية بامتياز، يظهر فيها أوباما ملوحاً بعصا القانون الدولي أمام نقار للخشب(هو الانظمة الدكتاتورية) وسرعان ما تحولت عصا أوباما الى “نشارة خشب” ربما بيعت فيما بعد على أنها شاي للعراق.
التراجع الأميركي بدا مخيفاً أمام التمدد السريع للقوى المناوئة للنظام العالمي وخاصة في منطقة الشرق الاوسط،ومع ذلك أوباما لم يحرج نفسه ولم يزعج نفسه بالتساؤل، هل حقاً يمكن أن تبقى الولايات المتحدة دولة عظمى إن هي سارت بالمسار السلمي كخيار مطلق؟
الجواب كان ببساطة، إن اوباما لم ينتبه الى أن هناك في العالم أيضاً (شرور مطلقة)تتحين أفول شمس القوة لتبدأ هي بليل الإبتزاز.
غيرت الولايات المتحدة رغماً عن أوباما أسلوبها في التعامل مع الأزمة الليبية مثلاً، كما أظن أن أوباما لا دخل له بمقتل بن لادن، لو كان الأمر متروكا له لبقي يتناقش ويستشير كوادر مكتبه البيضاوي الى أن يتلاشى بن لادن مجدداً ولكن الفضل في مقتل بن لادن يعود الى برنامج أمني محكم أشك في إطلاع أوباماعلى سيره، تتبع الشبح الإرهابي عبر آليات غير صاخبة آخذاً بنظر الإعتبار ما كانت إدارة بوش قد تأكدت منه على وجه الحسم وهو أن باكستان ليست بلداً مضطرباً فقط إنم هي بلد لمؤسسات تفرخ التطرف، وتعاملت الأجهزة الأمنية الأميركية مع هذه الحقيقة وعبر ذلك فقط تم قتل بن لادن.
هل نراهن اليوم على أن طاقم أوباما الأمني الجديد سيغير من هذه السياسة العقيمة؟
المتفائلون بخروج روبرت غيتس ينظرون اليوم الى بانيتا على أنه مبشر وأكثر واقعية بينما غيتس كان يهوى توزيع هبات الوعد بالخروج من أفغانستان بالمجان رسالة أقل ما يقال عنها أنها سذاجة سياسية..فهمها إرهابيو طالبان قبل أن يفهمها أوباما.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.