حسين علي الحمداني مستقبل العراق بعد الانسحاب الأميركي، بدأت بعض ملامحه تظهر في الساحة السياسية عبر ما بات يعرف بحرب الأقاليم ، ولم يسأل أحداً منا ما الذي يجري ؟ هل هي حمى الأقاليم التي اجتاحت المحافظات ؟ هل ثمة مخاوف تنتاب هؤلاء من انفراد وتفرد لفئة بعينها بحكم العراق بعد رحيل الحَكم الأميركي هذا الحَكم الذي أوجد نوعا من التوازن بين المكونات لدرجة أنه بات محل ثقة الجميع في السنوات الماضية وسيفتقده البعض في الأشهر القادمة؟
لعلنا في الطريق للإجابة على هذه الأسئلة علينا أن نعترف بأن الانسحاب الأميركي من العراق ستكون له تأثيرات كبيرة جدا في التوازنات السياسية في البلد، خاصة وإن البعض من هذه التوازنات أوجدها الاحتلال الأميركي بطريقة أو بأخرى ،وقد تنتهي فترة الشراكة بين مكونات الطيف العراقي ليتجه البلد لرؤية جديدة للحكم قائمة على مبدأ الأغلبية السياسية رغم إنها تحتاج لشيء من التعديلات الدستورية بغية الوصول إليها خاصة ما يتعلق منها بشكل النظام هل هو برلماني أم رئاسي ؟ وهذه النقطة بالذات أثيرت أكثر من مرة في السنوات الماضية على خلفية التقاطعات الكبيرة بين البرلمان والحكومة وما يسببه من تأخير أحياناً كثيرة يكون متعمداً في تعطيل تشريع القوانين من جهة، ومن جهة ثانية وهي الأهم تفرع السلطة التنفيذية بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ومحاولة كل منهم أخذ المزيد من الصلاحيات على حساب الآخر بأية طريقة كانت .
والجانب الثالث المهم جداً هو الخروج من التوافقات والشراكة غير المجدية أو ما يمكن تسميته بالشراكة السلبية ،والأهم من كل هذه هو وجود حكومة ومعارضة كما هو الحال في البلدان الديمقراطية، ويعرف الجميع بأن الديمقراطية ومخرجاتها تمثل معادلة الحكومة والمعارضة وتغييب أيا منهم يعني تغييبا للديمقراطية بشكل أو بآخر .
بالعودة للأسئلة عن حمى الأقاليم التي تصاعدت في العراق مؤخراً،يجب معرفة أسبابها والغاية المتوخاة منها ؟ السبب الرئيس يكمن بقرب موعد الانسحاب الأميركي وهذا يعني ولادة شعور لدى العرب السُنة بأنهم ربما سيتعرضون للتهميش ويعاملون (مواطن درجة ثانية) وهذا ما صرح به رئيس البرلمان العراقي السيد أسامة النجيفي، وبالمقابل ولادة شعور لدى العرب الشيعة بأنهم يشكلون أغلبية ويجب أن يمارسوا دورهم كأغلبية سواء أكانت سياسية أو مذهبية.
هذا الشعور يحتاج لمتنفس لكي يُعبر عنه ، والتعبير جاء من خلال إعلان مجلس محافظة صلاح الدين المحافظة إقليماً إدارياً واقتصادياً،وعندما نتوقف عند هذا المصطلح سنجد بأن كل محافظة من محافظات العراقي تتمتع بهذه الميزة، اللامركزية الإدارية وحتى الاقتصادية متوفرة في جميع المحافظات دون أن تُعلن نفسها إقليماً، وبالتالي فإن الغاية الحقيقية تكمن في التعبير عن المخاوف التي بدأت تنتاب البعض نتيجة استكمال الانسحاب الأميركي وفق الجداول المعلنة.
وهنا علينا أن نسأل مَن سيكون الحَكم في العراق بعد الانسحاب الأميركي؟بالتأكيد سيكون الدستور العراقي هو الفيصل وهذا ما تجلى بوضوح في نية إقامة الأقاليم وهذا الطلب مشروع جدا ومقبول دستورياً ولا يتعارض مع أية مادة دستورية بغض النظر عن التوقيتات التي صدر بها هذا القرار إن كانت مناسبة أو غير مناسبة وتحت أية ذريعة كانت، نقول بأن الطلب مشروع ويحق لأية محافظة أن تقول هذا، والكلمة الفصل ستكون للرأي العام في المحافظة نفسها عبر استفتاء شعبي يخضع لمقاييس ومعايير محددة وفق الدستور العراقي الذي نظم آلية ذلك.
لكن هنا المواطن يسأل هل الأقاليم الآن ضرورة شعبية أم رغبة سياسية؟ وهل نمتلك الرؤية الصحيحة في إدارة الإقليم ونحن فشلنا في إدارة مجالس المحافظات وتنميتها رغم الموازنة الكبيرة والتي عادة ما تعود في نهاية السنة المالية لخزينة الدولة لعدم وجود الكفاءات القادرة على تنفيذ المشاريع؟
بالتأكيد ليست رغبة شعبية، لأن المواطن العراقي أينما كان يتمسك بمجموعة من الثوابت أهمها وحدة العراق أرضاً وشعباً، بدليل بأن الكثير من المحافظات خاصة صلاح الدين والأنبار والموصل وحتى في ديالى صوتوا بالضد من الدستور لتضمينه الفدرالية، وبالتالي فإن هؤلاء المواطنين لن يغيروا آراءهم هذه بالسهولة التي يغير فيها الساسة آراءهم ، لهذا يمكننا القول بأن الدعوة للأقاليم دعوة سياسية صرفة غير قابلة لأن تحصل على التأييد الكافي من قبل الشعب في المحافظات التي تنوي ذلك لأنه لا يمثل سوى رأي السياسيين الذين عبروا بالفعل عن مخاوف تنتابهم من رحيل الحامي الأميركي.
لهذا نجد من الضروري جداً في المرحلة الحالية والتي تمثل أوج المرحلة الانتقالية في العراق أن تكون ثمة قراءة جديدة وجيدة للقوى السياسية العراقية للواقع وأن تردم الفجوة القائمة بينها وبين الشعب،وأيضا مطلوب منها الواقعية في التعامل في ما بينها بعيداً عن التشنج والتصريحات، وأقول ربما تعيد البلد لمرحلة لا نريد الرجوع إليها ولا يريد الشعب العراقي أصلاً استعادة أدواتها وآلياتها لأنها مرفوضة جملة وتفصيلاً ونقصد بها مرحلة التخندق الطائفي حتى إن كانت تحت مسميات جديدة إلا أنها تصب في ذات المنهج الذي تم رفضه سابقاً.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.