في تطور يحمل أكثر من دلالة، أعلن الأميرال “حبيب الله سياري”، قائد القوات البحرية الإيرانية في السابع والعشرين من شهر سبتمبر الماضي عزم طهران نشر سفن بحرية إيرانية في المحيط الأطلسي قرب المياه الإقليمية الأميركية، مبررًا ذلك بانه مثلما لواشنطن الحق بالتواجد قرب الحدود البحرية لإيران سيكون لإيران الحق في وجود قوي قرب الحدود البحرية الأميركية.
وجاء هذا الإعلان الإيراني بعد أن رفضت طهران طلبا أميركيا بإقامة “خط هاتفي ساخن” بين البلدين لتجنب أي مواجهات غير محبذة بين جيشي البلدين في منطقة الخليج.
ورغم أن الولايات المتحدة الاميركية قللت من أهمية الإعلان الإيراني بحجة ان طهران ليس لديها القدرات العسكرية لتنفيذ هذه الخطوة، الا ان هناك من يرى ان إيران تستطيع تقنيا أن توصل سفنها قبالة الشواطئ الأميركية.
وبغض النظر عن قدرة طهران ورغبتها الفعلية في تنفيذ تلك الخطوة، يمكن النظر إلى هذا الإعلان الإيراني من أكثر من زاوية الأولى : هو سعي طهران لضمان موقع متميز في الترتيبات المستقبلية لمنطقة الخليج خاصة والشرق الأوسط عامة، فهو عبارة عن رسالة تحذيرية إيرانية للولايات المتحدة الأميركية مفادها ضرورة إشراكها والتفاوض معها ومراعاة مصالحها في جميع الملفات المطروحة بالمنطقة كالوضع في العراق والأزمة السورية والصراع العربي الإسرائيلي، ومستقبل الأمن في منطقة الخليج.
فإيران تحاول استغلال اللحظة الراهنة التي تواجه فيها الولايات المتحدة أزمات عدة وتتورط في أكثر من مستنقع وتبحث عن طوق نجاة ينتشلها من تلك الأزمات، وتدرك طهران أنها بمثابة هذا الطوق لواشنطن في قضايا أهمها العراق لذا تتمسك بهذه الفرصة لفرض رؤيتها وأجندتها في المنطقة.
الزاوية الثانية للإعلان الإيراني أنه ربما يكون إيذانًا ببدء مرحلة جديدة للسياسة الخارجية الإيرانية ترتكز وتستقوي بقدراتها وبرنامجها النووي وخاصة أن تنفيذ هذا التهديد الإيراني لن يتم إلا من خلال البرنامج النووي الإيراني وهو ما يعني أن هذا البرنامج ليس مخصصًا للأغراض السلمية كما تزعم طهران التي يبدو أنها لن تتردد مطلقًا في استغلاله عسكريًا لضمان مركزي قوي في المنطقة وربما لفرض رؤيتها لأمن الخليج القائم على عدم تواجد عسكري أجنبي بالمنطقة.
وربما يكون هذا الإعلان الإيراني لإشغال واشنطن بقضايا أخرى أقل أهمية بعيدًا عن البرنامج النووي الإيراني لحين اكتماله، وهي ذات السياسة التي تتبعها إسرائيل في المفاوضات مع الدول العربية حيث تعمد دائمًا إلى إشغال العرب بقضايا ثانوية تأخذ وقتًا طويلاً للدرجة التي تنسي العرب القضايا الرئيسة التي يتم التفاوض بشأنها.
ويمكن اعتبار الإعلان الإيراني نشر سفن بحرية في المحيط الأطلسي من زاوية رابعة نوع من الرد على سماح تركيا بإقامة نظام رادار للإنذار المبكر تابع لحلف شمال الأطلسي على أراضيها من أجل رصد أي تهديدات صاروخية من خارج أوروبا بما في ذلك أي تهديد محتمل من جانب إيران وهو ما قوبل باحتجاج واستياء إيراني وأدى إلى فتور في العلاقات التركية الإيرانية خاصة في ضوء اختلاف وجهتي نظر الدولتين تجاه الأزمة السورية.
وربما يأتي هذا الإعلان الإيراني من زاوية خامسة في سياق محاولات طهران تحسين صورتها في المنطقة بعد التدهور الملحوظ الحاصل في شعبية إيران لدى دول وشعوب المنطقة بفعل مواقفها وسياساتها وتدخلاتها في شؤون تلك الدول ومخالفة الأعراف والتقاليد الدبلوماسية المعروفة والحاكمة للعلاقات الدولية.
ومن غير المستبعد أن يكون إعلان طهران عزمها نشر سفن بحرية إيرانية في المحيط الأطلسي قرب المياه الإقليمية الأميركية يأتي في إطار اتفاق غير مكتوب بين الدولتين على تصعيد وتيرة التصريحات بينهما لإقناع وإيهام دول المنطقة بوجود صراع وخلافات بين الدولتين للتغطية على ما بينهما من صفقات سواء الفعلية منها أو المستقبلية.
وفي كل الأحوال وايًا كانت الدوافع والدلالات فإن دول المنطقة يجب أن تكون على حذر وألا تضيع وقتًا طويلاً في قراءة هذه التصريحات المتبادلة بين الجانبين الأميركي والإيراني، حيث إن الهدف في النهاية يبقى البحث عن المصالح، كما أن الآثار والنتائج المترتبة على دول المنطقة هي سلبية سواء كانت العلاقات بين واشنطن وطهران تعاونية أو صراعية، حيث إن التعاون يعني إبرام صفقات ومساومات تزيد من قوة طهران وتؤدي إلى سيطرتها على دول المنطقة، بينما الصراع قد يؤدي إلى نتائج كارثية على الجميع.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.