Between Art and Politics: When Filmmaking Is an Arm of US Intelligence

<--

بين الفن والسياسة

حين تكون السينما ذراعاً للمخابرات الأمريكية

يستطيع المتابع لأفلام السينما الأمريكية، التي تتحدث عن عمليات عسكرية في إطار أفلام «الأكشن»، أن يلحظ أمراً غريباً يتجلى في استعانة صنّاع هذه الأفلام ومخرجيها بتقنيات عسكرية حقيقية، حيث تستخدم بعض الأفلام حاملات طائرات وغواصات متطورة، وفي بعض الأفلام ظهرت طائرات مقاتلة وقاذفة من النوع الأكثر تطوراً كطائرات الـ B2 التي تعد من أحدث قاذفات الجيل الخامس، وذلك قبل الإعلان للرأي العام الأمريكي عن وجودها، وهنا نتساءل: هل تغامر الولايات المتحدة بكشف وتسريب تقنياتها العسكرية المتطورة والتي يجب أن تكون سراً من أسرار الدولة?!، وهل هناك خلل في إدارة عملية الإنتاج وتسويق الأفلام؟!..

إنه أمر نستبعد حصوله، وبالتالي فإننا نفترض أن هذه الأفلام هي جزء من التحضيرات الدائمة للقيام بعمل عسكري تتم تهيئة الرأي العام لقبوله.

ونستطيع الذهاب الى ما هو أبعد من ذلك، ألا وهو قيام تنسيق دائم وحقيقي بين إنتاج السينما الأمريكية ومجمع المخابرات الأمريكية ووكالاتها التي تزيد عن خمس عشرة وكالة، بحيث تقوم السينما بترجمة المناورات العسكرية إلى صورة حرب افتراضية قريبة جداً إلى الحرب الحقيقية. وفي حالات أخرى هناك علاقة حقيقية بين دوائر الحرب النفسية والحرب الناعمة وصناعة السينما.

وبناء عليه لم يكن غريباً مقتل مارلين مونرو الممثلة السينمائية الشهيرة الغامض، وكذلك الأمر ارتباط سفيرة النوايا الحسنة للأمم المتحدة الغانية انجلينا جولي مع المخابرات المركزية, وهذه الأمور تبينها الحقائق، فقد شهدنا وجود علاقة خيالية أو تخيلية بين بعض أفلام السينما الأمريكية وبعض الأحداث السياسية الكبيرة، والتي تركت تأثيراً كبيراً على الصعيدين الدولي والإقليمي، لكن العلاقة تتجاوز الخيال لتصل إلى حد التكامل والاستمرارية الحقيقية، فعلى سبيل المثال جاء في أحد أعداد مجلة “العربي” القديمة وهو برقم 353 تاريخ نيسان 1988 صفحة 110، مقال عن صورة العرب في السينما الأمريكية، لكن المدهش في الأمر هو ماورد في ذاك المقال الذي عالج قصص عدد من الأفلام منها فيلم «الدفاع الأفضل» وفيلم «جوهرة النيل» فقد ظهر الفيلم الأول عام 1984 وتم تصويره في إسرائيل، وحسب أحداث هذا الفيلم يقوم الجيش العراقي بمهاجمة الكويت, ويستغرب كاتب المقال اختيار هذا الموضوع كمادة فيلمية سينمائية، ويقول الكاتب: «إن أي شخص يعرف ولو قدراً ضئيلاً من المعلومات عن الوطن العربي لايمكن أن يُظهر القوات العراقية وهي تصب حممها على الكويت، فالكويت والعراق قطران عربيان جاران، كما أن الكويت لن تطلب أبداً مساعدة القوات الأمريكية لمواجهة قوات عربية حليفة».

في ذلك الوقت وقت إنتاج الفيلم عام 1984 كان عرب أمريكا منشغلين بالحرب العراقية- الإيرانية وكانوا يقدمون الغالي والرخيص لإجهاض الثورة الإيرانية الوليدة وتدمير العراق، واستناداً لمعطيات تلك الحقبة، ولخريطة تحالفاتها، فإنه من المستحيل تخيل قيام العراق بغزو الكويت الأمر الذي تحقق عام 1990، أي بعد إنتاج الفيلم بست سنوات كاملة، وحدث مالم يتخيله كاتب المقال ألا وهو طلب الكويت تدخل القوات الأمريكية، فهل كان صنّاع الفيلم من المتنبئين الاستثنائيين؟!.

إن المخابرات المركزية ووكلاءها خططوا ورسموا وبرمجوا لعبة الحرب الكبيرة، كما خاضوا المناورات الافتراضية على الشاشة الكبيرة، ومن ثم جهزوا الأرضية اللازمة لهذا التدخل. أنا لا أتحدث عن مؤامرة بل أتحدث عن معطيات واقعية هي أخطر بمرات ومرات من أدهى المؤامرات، فقد حققت الأوساط المخابراتية الأمريكية هدفين بآن واحد وهما: احتلال منابع النفط، وضرب العراق، والأخطر هو حرف الصراع في المنطقة من صراع عربي- صهيوني لصراع عربي-عربي، ومن ثم تكتمل الحلقة باحتلال العراق وتحويل الصراع من صراع عربي بيني، إلى صراعات داخلية عربية على خلفيات طائفية وإثنية وغيرها.

وبمناسبة الحديث عن الأفلام لابد لنا من التطرق لموضوع الفيلم المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فالفيلم ليس بذي قيمة علمية أو فنية أو ثقافية أو توثيقية فلماذا تطلق السينما الأمريكية مثل هذا الفيلم الذي تعلم من اللحظة الأولى أنه سيثير موجة من السخط والاضطرابات داخل أكثر من مكان في العالم الإسلامي؟!.

إن من السخف العزف على اسطوانة “حرية التعبير”، فما هو الهدف السياسي والاستخباراتي من وراء هذا الفيلم؟

أعتقد أن الهدف هو اختبار ردة فعل العالم الإسلامي تجاه أحداث كبيرة ستحصل في المدى المنظور، ومن المرجح أن يكون إصدار هذا الفيلم مقدمة لعدوان صهيوني غربي جديد على الوطن العربي، ولا بد من التوقف عند الحديث عن مشاركة مصريين أقباط في الفيلم المذكور، وكأن الفيلم يقول: مصر هي الهدف، مصر التي قال عنها أحد فلاسفة المحافظين الجدد بعد غزو العراق: «العراق خطوة والسعودية مرحلة أما الجائزة الكبرى ستكون مصر»، أما لماذا توقعنا أن تكون مصر وليس غيرها فالإجابة تكمن في فيلم آخر هو «جوهرة النيل» وهو من إنتاج العام 1985 وحسب المجلة (العربي) نفسها والعدد (353، ص108) نفسه يعمد الفيلم إلى ترسيخ فكرة وقوف العرب ضد بعضهم البعض، كما أن الفيلم يتحدث عن صراع القبائل على ضفتي النيل، وذلك النهر العظيم الذي تحمل مياهه قسماً كبيراً من الجواب. إنها محط أنظار الغرب والصهاينة، ألم تطالب إسرائيل أكثر من مرة بحقها في مياه النيل؟ واستناداً للربيع العربي ولمحاولات تدمير سورية وغربلة مصر نقول: انتظروا خطباً كبيراً في أرض الكنانة التي فقدت جيشها بلا حرب في اتفاقيات كامب ديفيد، وفقدت مخابراتها في الربيع العربي، ويعبث بها تيار الإسلام الصهيوني، وقبل كل ذلك فقدت عمقها الاستراتيجي عبر تقسيم السودان، كما أحرقت رئتاها بإحراق سورية.

من السينما إلى السياسة وما بينهما من عمل المخابرات، يبقى وطننا العربي آخر من يستفيق، فهل تصحو مصر؟!، وإلى أي مدى سيبقى العرب لايقرؤون وإذا قرؤوا لايفهمون وإذا فهموا لا يعملون؟!.

About this publication