Exploiting the War on Terror

<--

فواز طرابلسي

يعيش عالمنا اليوم، وشعوب منطقتنا خصوصا، في ظل اولوية كونية إسمها «الحرب العالمية ضد الإرهاب» فرضتها الولايات المتحدة الاميركية وتسلمت قيادتها. وعلى كثرة ما سال حبر ودم حول هذا الموضوع، لم يقل ما فيه الكفاية عن استخدامات خطر تنظيم «القاعدة»، وهو حقيقي، لأغراض الحفاظ على الانظمة العربية او لتجديد «شرعيتها» الخارجية.

استخدمت الحرب ضد «القاعدة» مبررا لغزو العراق، بعد غزو افغانستان، وتدميره واحتلاله لثماني سنوات مع انه لم يثبت وجود صلة بين مخابرات صدام حسين و«القاعدة ». مع ذلك، تحول الاحتلال الاميركي للعراق الى جاذبة مغناطيسية لمئات الألوف من الجهاديين تدفقوا من كل حدب وصوب. انسحبت قوات الاحتلال ولم ينسحب الجهاديون التكفيريون. وبدلا من ان تتم المصالحة الوطنية العراقية صار «قانون مكافحة الإرهاب» الاولوية المتحكمة بالعملية السياسية والسلاح الفتاك بيد رئيس وزراء واسع الصلاحيات يستخدمه لبناء حكم استبدادي فردي، وتمتين حِلفه المذهبي، وإرهاب خصومه.

في ليبيا فشل معمر القذافي في البقاء في الحكم على الرغم من خدماته للقوى الغربية في «الحرب العالمية ضد الارهاب» وفي حجز فقراء أفريقيا دون شواطئ المتوسط والوصول إلى أوروبا. ومع ذلك، لم تجد قوات الغزو الاطلسية، طليعة «الحرب العالمية ضد الإرهاب» أي حرج في استجلاب قادة جهاديين ليبيين لترؤس فصيل أساسي من فصائل المعارضة المسلحة.

في اليمن، استجلب على عبد الله صالح المئات من الأفغان العرب، واستخدم خطر «القاعدة» والحرب ضدها ـ وفتح حدوده لحرب القنص الاميركية بواسطة طائرات من غير طيار ـ في سبيل استدرار المال والسلاح والمساعدات الاقتصادية الغربية وكسب «الشرعية»الخارجية لنظامه. وكان «مُشَغِّل» الجهاديين الابرز هو علي محسن الأحمر، اليد اليمنى لصالح في السلطة آنذاك، وأحد أركان الحل الاميركي ـ السعودي الخليجي الحالي. واستخدم نظام صنعاء ارهابيي «القاعدة» ايضا لاغتيال الخصوم قبل ان يشكلوا، في العام 1994، طليعة حربه ضد اليمن الجنوبي. وقد افتى لهم علماء تابعون لـ «حزب الإصلاح » بأنها حرب ضد الشيوعية، فحللوا بذلك القتل والاغتصاب والسبي والنهب ضد أهالي الجنوب على اعتبارهم ملحدين من دون تمييز. وحتى لما اضطر صالح الى التنحي، تحولت الضرورات الأمنية باسم «الحرب العالمية ضد الإرهاب» إلى مبرر لبقاء قوات النخبة اليمنية بإمرة ابناء الرئيس المخلوع وأقاربه. واباحت تلك الضرورات تأجيل الحوار الوطني لأكثر من سنة وتجاهل أسباب الثورة ومطالب الثوار، بل سوّغت الضغوط المتصاعدة على الشباب اليمني، روح الثورة ومحركها والأمل لمستقبل البلاد، إخلاء الساحات والشوارع.

اعتمد النظام السوري القاعدة إياها في التعاطي مع «القاعدة». في مرحلة الغزل الممانع مع الولايات المتحدة، بعد 11 ايلول 2001، ازدهر التعاون بين المخابرات السورية والمخابرات المركزية الاميركية من خلال تسليم اللوائح عن الشبكات الارهابية والتحقيق مع معتقلين من «القاعدة» والتعذيب في المعتقلات والسجون السورية. انقلبت الآية بعد غزو العراق، حين شرّع النظام حدود سوريا للجهاديين التكفيريين للقتال ضد القوات الاميركية. ولما بدأت المعارضة الشعبية للسلطة تطالب بإلغاء حالة الطوارئ، في امتداد الاستنكار على قتل تلامذة درعا، لم يكتفِ النظامُ بالقمع الدموي، بل انضم الى رِكَابِ «الحرب العالمية ضد الإرهاب»، وعَمَّد حربَه ضد ثورة شعبية سلمية حربا ضد «المجموعات الإرهابية المسلحة». اقتضى الامر لا اقل من سنة ليتحوّل عشرات الألوف من المناضلين السلميين الى حملة السلاح، ومعهم عشرات الألوف من المنشقين عن الجيش النظامي، وليتسلّل ما يكفي من جهاديي وتكفيريي «جبهة النصرة» إلى الأراضي السورية قبل ان يجري تعميد الحرب على أنها، جهاراً، حرب ضد «تنظيم القاعدة».

في عملية القلب والإبدال هذه، ينضوي النظام السوري في خندق «الحرب العالمية ضد الإرهاب»، مع ما يرافق ذلك من تلميح وتصريح بأنه يدافع في تلك الحرب عن «الغرب» وليس فقط عن سوريا وسائر العرب. بذلك بلغت «خورجة» النظام لأزمة سوريا الدامية ذروة جديدة، بتحويل حرب ضد معارضة مسلحة ومدنية، تمثل جزءاً كبيرا من الشعب السوري، إلى حرب ضد إرهاب خارجي (يشارك فيه إرهابيون من 28 دولة حسب إحصائيات الوزير وليد المعلّم). مع ذلك، فالوزير المعلّم يلهج بعبارات البطريرك الماروني التي أعلنها في زيارته الأخيرة لدمشق: «الإصلاح لن يأتي من خلال سفك الدماء. بل يأتي من خلال الحوار».

أميركا ليست جاهزة للتسوية في سوريا، قالها الرئيس الأسد منذ أسابيع. هل هي جاهزة الآن على أعتاب جولات وزير الخارجية الجديد؟ استبق الوزير المعلّم الزيارة بالإعلان عن أن الحوار العتيد يمكن أن يضم من سُمُّوا «حملةَ السلاح» من المعارضين.

لم تنجح الاستخدامات المتعددة لخطر «القاعدة» والانضواء في «الحرب العالمية ضد الإرهاب» دوما في إنقاذ الحكام والأنظمة في مجرى الثورات العربية، غير أن ذلك وفّر للسياسة الأميركية وللأنظمة العربية المستهدفة من قبل شعوبها، الفرص والمسوغات الاستثنائية لـ«إطغاء» الأمن ـ أمن حدود إسرائيل وأمن النفط والضرورات الأمنية لـ«الحرب ضد الإرهاب الدولي» ـ على شعوب بأكملها بمصالحها وتطلعاتها والأحلام. فهل تنقذ «الحرب ضد الإرهاب» النظام السوري أو رئيسه أو أية أجهزة وأجزاء منه؟

الأمن يخنق الأمل في هذه البلاد. والمؤكد انه لا يحقق الاستقرار.

في انتظار الجواب على السؤال:

أيتها «القاعدة» ولك ما لك من جرائم ترتكبينها بذاتك ـ من قطع رؤوس البشر والتماثيل، بما فيها رأس تمثال المعرّي العظيم، وتدمير أضرحة الأولياء ودُور العبادة والمدافن المسيحية وصولا إلى تفجير السيارات المفخخة مذهبياً في الأسواق والشوارع ببغداد أو دمشق، ناهيك عن اعتماد القمع التكفيري على الأهالي حيث يتسنى لك التحكم برقابهم – كم من الجرائم بحق الشعوب والمستقبل ترتكب بإسمك وبإسم الحرب ضدك!

fawwaz.traboulsi@gmail.com

About this publication