يجتمع «سادة الكون» الماليون في الطابق الثامن عشر من بناية حديثة تقع في شارع المصارف في مدينة بازل السويسرية. ويضم الاجتماع جانيت يلين مديرة الفدرالي الأميركي وماريو دراغي مدير البنك المركزي الأوروبي، وستة عشر شخصية من الصف الأول المالي في العالم. وتدور الاجتماعات لساعات طويلة حول السياسات النقدية، والنمو الاقتصادي، وعمل البورصات. ولهذه الاجتماعات السرية تقاليد عريقة. ومنذ أن خفضت البنوك المركزية الفوائد المصرفية إلى نسبة تداني الصفر، وشراء سندات الخزينة بمئات مليارات الدولارات، أصبحت تلك الاجتماعات ضرورية ودورية كل أسبوعين. ويشكو ممثلو البنوك المركزية في الاقتصادات الصاعدة من الاجراءات القاسية التي اتخذت، والتي أثرت على اقتصاداتهم. بينما يتحدث ممثلو البنوك المركزية في البلدان المتقدمة عن المخاطر، وعدم التوازن، في الأنشطة المالية الدولية.
منذ انهيار بنك ليمان في نيويورك، خريف العام 2008، أصبح مديرو البنوك المركزية في العالم سادة الكون. فهم الذين يقررون نسبة الفائدة المصرفية وحجم السيولة المالية. وهم الذين أنقذوا الحكومات والمصارف حول العالم من الإفلاس. وأصبحت شهرتهم اليوم، تضاهي شهرة نجوم هوليود. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية صعد نجم مديري البنوك المركزية في العالم، على الرغم من أنهم غير منتخبين، بل تعينهم حكوماتهم، وتجعلهم يتصرفون باستقلالية عنها. ولكن تلك الأمور أصبحت من الماضي.
ينشغل المجلس الاستشاري في الفدرالي الأميركي بمسألة ضخ الاقتصاد ودعمه بمئات مليارات الدولارات، وذلك عن طريق شراء سندات الخزينة، وعما إذا حان الوقت للتوقف عن ذلك. أما في بريطانيا فيدور الجدل حول نسبة الفوائد المصرفية المستقبلية. وفي أوروبا يبحث البنك المركزي الأوروبي عن كيفية محاربة النسبة الضئيلة للتضخم المالي. وفي الاجتماع الموسع السنوي لصندوق النقد الدولي، حث المجتمعون على الحفاظ على سياسة الدعم المالي بشراء سندات الخزينة، وعلى نسب الفوائد المنخفضة، وعلى ابتكار أساليب جديدة في التعامل مع المنتجات المالية. ولكن المصارف في العالم تتساءل اليوم، عما إذا كان ما فعلته أكثر من اللازم. وعن الوقت اللازم إلى إعادة نشاطها الطبيعي. لقد كانت إجراءات الانقاذ فاعلة. ولكنها لم تستطع شفاء المريض. لقد توقف عشرات من المصارف والمصانع عن العمل. لذلك يطالب رجال الأعمال في أميركا، بمواصلة ضخ الأموال في الاقتصاد.
تسود في أوساط الاقتصاديين في الغرب أسئلة مهمة مثل: ما العمل لمنع التضخم المالي؟ كيف سيتم التعامل مع قيمة العملات عندما تنهار البورصات؟ وماذا يفعل المواطن عندما يرى قيمة الأوراق المالية التي بحوزته تنخفض؟ وهل يطالب المواطن كذلك بوضع البنوك المركزية تحت الإشراف الحكومي؟ لقد تمثل الانجاز الكبير لرؤساء البنوك المركزية بالوقوف بوجه السياسيين رافعين سياسة «لا». واستطاع مدراء البنوك المركزية في الغرب إنقاذ اقتصادات بلادهم من الانهيار، ولكنهم لم يستطيعوا إعادة النمو إليها.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.