مازال الجدل قائما بين الاوساط السياسية العراقية حول الانسحاب الامريكي من العراق نهاية العام الجاري، فالقوى السياسية الكبيرة دائمة الخلاف بشان هذا الانسحاب فمنهم مؤيد ومنهم معارض ومنهم من يقف في المنطقة الرمادية، بصورة اخرى فأن ارباب الحل والعقد منقسمون الى ثلاث اقسام، الاول يطالب بانسحاب جميع القوات وفقا للاتفاقية الامنية، وعلى رأسهم التيار الصدري وبعض اعضاء القائمة العراقية، والثاني يطالب بانسحاب جزء من هذه القوات وابقاء جزء منها، مثل التركمان وبعض اعضاء القائمة العراقية وقسم من اعضاء التحالف الوطني، والجزء الاخير يريد بقاء القوات وهم اغلبية الاكراد، وبعض اعضاء التحالف الوطني وبعض الجهات التي ترتبط بعلاقات صداقة قوية مع الجانب الامريكي.ولا يخفى على المتابع أن العلاقات العراقية الامريكية حتى لو تم الانسحاب العسكري، فانها ستبقى متينة وقوية وسيبقى النفوذ الامريكي في العراق قويا ومؤثرا بشكل كبير، لانه ليس من المعقول أن يدفع الامريكيون نحو (4500) قتيل والاف الجرحى والمصابين ومئات المليارات من الدولارات لكي يتركوا العراق لدول الجوار والدول الاقليمية تسيطر عليه، ودون أن تكون لهم كلمة في مستقبل هذا البلد الغني بالثروات.ومع كل هذا فأن العديد من الساسة العراقيين يدركون تماما حجم المخاطر التي سيخلفها الانسحاب الامريكي على مستقبلهم هم، ومستقبل العراق بصورة عامة، لذا تراهم يسعون جاهدين لايجاد صيغة تكون مقبولة من اغلبية الشعب العراقي حيث انهم يحاولون ابراز حاجة القوات المسلحة العراقية إلى مزيد من التسليح والتجهيز والتدريب كمبرر لتمديد بقاء القوات الامريكية.العديد من الساسة العراقيين وعلى رأسهم السيد المالكي رئيس الوزراء اكدوا على ضرورة الانسحاب الكامل للقوات الامريكية في نهاية العام الحالي وفقا للاتفاقية الامنية المبرمة بين البلدين، والسؤال الاكثر صعوبة هو هل ستنسحب القوات الامريكية من العراق بالفعل؟ رئيس الوزراء العراقي (نوري كامل المالكي) بات في موقف محير وصعب قد لا يحسد عليه او كما يسميه البعض انه يمسك العصا من الوسط، فهو لا يريد ان يفقد صداقة الجانب الامريكي، ولا يريد معاداة التيار الصدري، الذي اعلن زعيمه مقتدى الصدر أنه سيرفع التجميد عن جيش المهدي في حالة بقاء القوات الامريكية في العراق بعد نهاية العام الجاري، ومن جانب اخر تعالي الصيحات والهتافات من قبل بعض الكتل والاحزاب ما جعل المالكي يقع في حيرة وورطة كبيرة، قبل ايام صرح المالكي (إن الامريكيين يريدون منا رأيا نهائيا، وقالوا انهم سينتظروننا، وهذا يعني أن لدينا فرصة جيدة لبلورة رأي وطني تشترك فيه مختلف الاتجاهات الشعبية والرسمية والخبراء، لننضج موقفا متفقا عليه)… كما ان رئيس الوزراء العراقي بات يستخدم مؤخرا ورقة ضغط اخرى لبقاء بعض هذه القوات بحجة انها ستتواجد لتدريب القوات العراقية؟ ان قرار الانسحاب الامريكي من العراق اصبح ضرورة ملحة ومطلب جماهيري لابد منه، لان المواطن العراقي بدأ لا يتقبل وجود الاجنبي على ارضه، ولا يتقبل فكرة حماية الاجنبي لأرضه او بقاءه سيمنع الاقتتال الطائفي بين ابناء البلد الواحد لانه يعلم جيدا ويتذكر جيدا الحرب على الهوية التي برزت في الاعوام السابقة والتي شهدت موجة دموية همجية خطيرة كانت الارواح فيها تزهق على الهوية والمزاج، على الرغم من وجود القوات الامريكية وباعداد اكثر بكثير من التي تتواجد الان!
اذن ان المواطن العراقي بات يفهم اللعبة ان الوجود الامريكي لا يحمي المواطن والوطن بقدر ما يحمي الساسة واحزابهم وكتلهم، كما أن الوجود الامريكي يراه المواطن عاملا لجذب العنف خصوصا تنظيم القاعدة الذي يعتبر الوجود الاجنبي عامل جذب لمقاتليه من داخل وخارج العراق، كما ان المواطن العراقي اصبح يعلم جيدا ان الوجود الامريكي اصبح عاملا لجذب الجماعات المسلحة التي تدار من قبل قوى خارجية ويتم استخدامها كورقة لعب ضد الامريكيين على الساحة العراقية، وحتى سياسيا استخدمت قضية الانسحاب من قبل بعض السياسيين والكتل كورقة مزايدات وطنية تم بها تعبئة الشارع ضد الوجود العسكري الامريكي فاصبحت رغبة الاغلبية من العراقيين هي رحيل هذه القوات.ولا يخفى على احد أن الظروف والاوضاع التي تشكلت بها القوات المسلحة العراقية كانت ظروف عصيبة اقل ما فيها انها مشحونة طائفيا، اذ كانت المسألة الطائفية والقومية والمذهبية هي المفضلة على المهنية في تشكيل هذه القوات مما جعلها قوات بلا عقيدة ووطنية وايضا فاقدة لكثير من المقومات والركائز التي تبنى عليها القوات العسكرية، وقد ادى هذا الوضع الى تردي الواقع الامني في عموم العراق بصورة عامة وفي المناطق الساخنة بصورة خاصة ما دعا الحكومة العراقية على عقد شراكة مع الولايات المتحدة تقوم على اساس الاستفادة من القدرات العسكرية واللوجستية التي تتمتع بها الولايات المتحدة الامريكية لدعم الجانب العراقي بها والمساهمة في تدريب قواته وتطويرها وتسليحها لتكون قادرة على القيام بمهامها في حفظ الامن من المخاطر التي تهدده سواء كانت هذه المخاطر داخلية او خارجية، لكن تصريحات القادة العسكريين محبطة الى حدا ما فهم يقولون أن قواتهم غير مؤهلة لحماية البلاد بعد الانسحاب الامريكي وهذا يعني أن العراق سيبقى مهددا في امنه واستقراره، وعلى رأس هؤلاء القادة الفريق (بابكر زيباري) رئيس اركان الجيش العراقي الذي قال “انه وعلى وفق الخطة المرسومة، لن يكون بمقدور العراق حماية أجواءه وحدوده لغاية عام 2020، معتبرا أن انسحاب القوات الأمريكية من العراق قبل تلك المدة سيلحق ضررا بالعراق وان الجيش الحالي قادر على المستوى الداخلي لمواجهة الارهاب، غير انه لا يقدر على حماية أجواءه وحدوده، حيث يعتمد في ذلك على الأمريكيين” إن مثل هكذا مخاوف من الانسحاب ومن عدم جاهزية القوات العراقية يكاد يصبح بنيوي في القوى العراقية نفسها إذ ليس المهم انسحاب الأمريكان بعد أن تحدد الموعد، بل عن أي عراق سينسحبون..؟والامر المحزن في كل هذا هو المواطن العراقي فكيف للساسة العراقيين تطمين هذا المواطن الذي بات من كل شيء وعلى كل شيء ابتداء من وجوده وانتهاء بوجود بلده مرورا بمستقبله ومصدر عيشه، إذ أن الأمريكان باتوا له هم الخصم والحكم، فرغم الميل الطبيعي في التخلص من الاحتلال وآثاره فإنه، اقترن ذلك بخوف من غياب القوة الوحيدة الضامنة التي يمكن التعويل على عدم طائفيتها أو انحيازها القومي، فقد اقترن المحتلّ في الذاكرة اليومية بجلب الأمان وبأنه الحائل دون سيطرة فئة على أخرى، كما اقترن بضمان الحقوق للفئات التي ليس لها ممثلون أقوياء في السلطة. ويبقى سؤال الواحد يطرحه المواطن العراقي: هل أعاد الامريكان للعراقيين الأمن والحرية والسلام ليغادروا العراق!
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.