كيف نقيّم القمة التي عقدت في الرياض في الأسبوع الماضي بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس الأمريكي أوباما؟. ما هو موقع هذه القمة بالضبط والنتائج التي انتهت إليها من العلاقات مع أمريكا ومستقبلها؟. هل نجحت القمة في إزالة أسباب ودواعي الأزمة المكتومة، والظاهرة أحيانا، في علاقات الطرفين في الفترة الماضية؟
القمة صدر عنها بيان ختامي مشترك طويل يؤكد علاقات التحالف بين أمريكا ودول مجلس التعاون والتزام الإدارة الأمريكية بالدفاع عن أمن واستقرار المنطقة ودول المجلس، ويعدد مجموعة من مشاريع التعاون المشترك الأمني والعسكري والاقتصادي، ويؤكد إدانة إيران وممارساتها ودعمها للأعمال الإرهابية وزعزعتها لاستقرار المنطقة. والتصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي أثناء القمة وبعدها تؤكد نفس هذه المواقف.
ومع ذلك، فإنه لا البيان المشترك، ولا تصريحات أوباما، تقدّم إجابات شافية عن التساؤلات المطروحة التي ذكرناها.
للإجابة عن هذه التساؤلات بشكل يعكس الحقيقة فعلا وبعيدا عن المجاملات الدبلوماسية، علينا أن نتذكر أمرين جوهريين:
الأمر الأول: إن عقد هذه القمة جاء بطلب من الإدارة الأمريكية نفسها.
معروف بالطبع الظروف والملابسات التي دفعت الإدارة إلى طلب عقد القمة. جاء هذا بعد المواقف التي عبّر عنها الرئيس أوباما في الحوارات التي نشرتها مجلة «ذي أتلانتيك» والاتهامات الظالمة الصادمة التي وجهها إلى السعودية وكل دول مجلس التعاون، وما أثارته بالضرورة من غضب خليجي عربي.
كما هو مفهوم، أوباما أراد من هذه القمة أن يخفف من وطأة مواقفه وتصريحاته. وأغلب الظن أن مؤسسات ودوائر أمريكية نافذة ضغطت على أوباما كي يطلب عقد هذه القمة ويحاول إصلاح ما أفسده، وذلك حرصا على مصالح أمريكا مع دول مجلس التعاون، وكي لا يترك السلطة والعلاقات معها في أزمة.
معنى هذا أن أوباما لم يكن في أجندته أصلا زيارة السعودية وعقد هذه القمة قبل أن يرحل عن البيت الأبيض، وإنّ طلب عقدها لا يعكس رغبة حقيقية جادة فعلا لدعم وتطوير العلاقات مع دول مجلس التعاون وتأكيد التحالف معها.
الأمر الثاني: علينا أن نتذكر أنه في العام الماضي، وتحديدا في شهر مايو، عقدت قمة كامب ديفيد بين دول مجلس التعاون وأوباما. جاء عقدها بعد توقيع الاتفاق النووي بين أمريكا والقوى الكبرى وإيران، وكمحاولة من الإدارة الأمريكية لتبديد مخاوف دول المجلس وطمأنتها بأن الاتفاق لا يعني تغيرا في مواقفها والتزاماتها ولا تغيرا في نظرتها لطبيعة العلاقات.
وقمة كامب ديفيد صدر عنها بيان مشترك طويل، هو تقريبا نسخة تكاد تكون طبق الأصل من البيان الذي صدر عن قمة الرياض وما جاء به.
لكن ما الذي حدث بعد قمة كامب ديفيد؟
الذي حدث أنه بعد بضعة أشهر من القمة، خرج الرئيس الأمريكي ليدلي بالتصريحات التي نشرتها المجلة الأمريكية ويشن هذا الهجوم على السعودية ودول مجلس التعاون، وليعبّر عن مواقف عدائية لا علاقة لها إطلاقا بكل ما جاء في بيان قمة كامب ديفيد وتصريحاته في ذلك الوقت.
ما الذي يمكن أن نستخلصه من كل هذا؟.. ما الذي يقود إليه؟
كل هذا يعني أمرا محددا.. قمة الرياض بين دول مجلس التعاون وما صدر عنها من بيان وما قاله أوباما أثناءها، لا يعني أبدا أن أوباما غير قناعاته وتخلى عن مواقفه التي سبق وعبّر عنها، ولا يعني أن تحفظات ودواعي قلق دولنا قد زالت.
هذه هي الحقيقة. وإذا كان أي أحد يتصور أن هذه القمة قد أعادت العلاقات بين دول مجلس التعاون وأمريكا إلى مسارها السابق، أو أنها أكّدت مجددا علاقة تحالف وشراكة إستراتيجية، أو أنها تدشّن عهدا جديدا من العلاقات، فانه يتعلق بسراب لا وجود له على أرض الواقع.
الذي حققته القمة هو أنها خففت، في الظاهر فقط، من حدة أزمة في العلاقات بين دول مجلس التعاون وأمريكا، لكنها أبدا لم تنه هذه الأزمة، ولا يجب التعويل عليها للقول إنه لم يعد هناك ما يثير القلق أو الشك في المواقف والسياسات الأمريكية التي لا تخدم مصالحنا، بل تهددها.
على هذا الأساس يجب أن نبني حساباتنا الخليجية العربية.
لقد كتبت قبل القمة أن أمريكا لم تعد حليفا ولا شريكا إستراتيجيا لنا وإننا يجب أن نرتب أنفسنا على هذا الأساس. ولم يتغير هذا بعد القمة.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.