The Metaverse and the Iron Devil

<--

ميتافيرس والشيطان الحديد

لا جديد تحت الشمس..

ما سيكون كان..

يوم الخميس 28 أكتوبر 2021 يظهر مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرج على صفحته الرسمية، يخاطب الأمة العالمية فردًا فردًا، يبشرهم بتغيير اسم فيسبوك إلى ميتافيرس.

كان مارك، فتى العالم الجديد، يمهد للتغيير منذ أسابيع، بإسقاطه فيسبوك من شبكة الإنترنت عدة ساعات، ثم تظهر السيدة فرنسيس هوجن التى كانت تعمل مديرًا مسئولًا فى فيسبوك، وتكشف ألاعيب مارك أمام أعضاء الكونجرس الأمريكى.

يهبط سهم فيسبوك في البورصات العالمية، يقال إن مارك خسر 7 مليارات من الدولارات الساخنة في ست ساعات، يفاجأ متابعو فيسبوك أنهم مصابون بإدمان موقع مارك ورفاقه الطلبة، وحسب إحصاءات موثوقة، فإن عدد هؤلاء المتابعين يصل إلى ملياري إنسان، اعتادوا أن يعتاشوا على فيسبوك، صاروا جميعًا كتابًا ومحللين وخبراء ومفكرين، يصدق بعضهم أنه يحمل مهنة تسمى «المواطن الصحفي» وقد اعتمدتها بعض القنوات التليفزيونية كحقيقة واقعة.

لا جديد أن يصاب الناس بالفزع من إعلان التغيير في عالم التكنولوجيا، فالناس أصيبوا بالرعب كثيرًا على مدى أزمان، مع اختراع العرب للبارود فى البصرة فى القرن السابع الميلادى وليس الصين كما يشاع، ثم اختراعهم للبنادق فى الأندلس أيام «العز»، وانتقالها عبر المكتشفين البرتغاليين إلى الأراضى الجديدة، ثم قتل الهنود الحمر بهذا الاختراع الذى لم يشاهدوه من قبل، فقد كانوا مجرد محاربين بالسيوف والأقواس والسهام والنبال، وكان الهنود الحمر قد حرموا القتل بالبنادق الأوروبية تلك، فماتوا بلا رحمة، فعل ذلك السلطان طومان باى وهو يدافع عن مصر عندما غزاها سليم الأول عام 1517.

الناس أسرى لما اعتادوا، يخاف بعضهم من الجديد المجهول، أصيبوا بالذعر عندما رأوا أول قطار من الحديد يتحرك على الأرض، وحين رأوا سيارة تمشى، وقد وصفوها بالشيطان الحديد، وعندما سمعوا أصواتهم عبر الأسلاك عندما اخترع جراهام بل التليفون، وحين رأوا الحديد يطير فى الفضاء فى هيئة طائرات، ثم اعتادوا على ذلك فيما بعد.

أما اختراع الإنترنت قبل عقود فكان مفاجأة عظمى، والآن يأتى مارك ورفاقه ليخترعوا الأعاجيب، يتداخل الواقعى مع الافتراضى، سيهتز الناس قليلا، ثم يحدث الاعتياد فى انتظار الجديد، فهو محض اختراع ينسخ القديم، ثم يأتى آخر ليمحوه، وكأنه لم يكن.

اختار مارك اسم ميتافيرس بمعنى ما وراء الكون، كأنه يودع الواقعي المحسوس إلى الخيالى، من خلاله ينتقل الناس بين الزمان والمكان، وهذا ليس بأمر جديد.

المتصوفة فعلوا ذلك، يختلط لديهم الخيال بالواقع عن الكرامات والخوارق التى فعلوها، ويحكى أن صوفيًا كان يدور حول الأرض دورة كاملة فى ليلة واحدة على أتان صغيرة، أو أن صوفيًا كان يمشى فوق الماء دون سفينة، أو أنه يطير من مكان إلى مكان دون أجنحة.

كثيرًا ما ترك هذا الصوفى أو ذاك قصصًا عن الخوارق لا تصدق، بينما أتباعهم يعتقدون فيها كحقيقة لا تقبل الشك.

كان الفيلسوف رينيه ديكارت، صاحب مقولة: «أنا أشك إذن أنا موجود» قد انشغل طويلا كفيلسوف بحالتى العقل والجسد، ما بين الاتصال والانفصال.

قفزة مارك الجديدة هى هروب من فضائح شركة فيسبوك، وإخفاء انخراطها المحموم فى تغيير بنية المجتمعات السياسية والاجتماعية والثقافية، وصناعة قالب جديد لعالم افتراضى، حسب رغبة مشغلى الفتى مارك.

حين اخترع مارك الفيسبوك، داخل غرفة طلاب فى جامعة هارفارد عام 2004، لم يكن يتخيل هو ورفاقه أن الفيسبوك هذا، سيلعب دورًا خطيرًا فى إدارة معارك بعد آلاف الأميال، وسيعمل على تغيير مجتمعات ودول وأمم، وسيصبح أداة عظمى فى حروب الأجيال من الرابع إلى الخامس إلى السادس، وأنه سيلعب دورًا فى إسقاط حكومات ورؤساء، حدث هذا واقعيًا مع الرئيس الأمريكى الخامس الأمريكى دونالد ترامب، الذى يعمل الآن على إطلاق شبكة تواصل خاصة به وبمؤيديه، وكان ترامب قد سخر من مارك بعد تغيير فيسبوك إلى ميتافيرس قائلا: انظروا.. من يتكلم!

About this publication